من أنا

صورتي
صلاله, Oman
إقرأ .. أجمل ماتقرأ.. أكتب.. وأجمل ماتكتب.. أحفظ .. وأجمل ماتحفظ .. حدث به الآخرين.

السبت، 20 مارس 2021

قالوا عن المدونة ..

 قبل إسدال الستار على المدونة .. 

يسرني معرفة رأيكم في

مدونتي

  "رسالتي" 

عبر الواتساب

ديسمبر 2011م كانت البداية،

و2021م موعد النهاية ..

هي ، في الواقع، ليست النهاية بل إلى مشروع أفضل مما هي عليه الآن .. 

_____

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

المدونة رائعة بكل مافيها من مواضيع متنوعة وأحب أشكرك جزيل الشكر د. ياسر على توعيتك للمجتمع وتعليمنا بدون مقابل وأحياناً بمبالغ رمزية وهذا مجهود تشكر عليه ولن توفيك كلماتنا مهما قلنا ولكن لك الدعاء الصالح وجزاك الله خير الجزاء في الدارين . 

تلميذكم

-----------------------

لا يمكن و صف مدونتك إلا بالكنز الثمين ، فهي مدونة رائعة تقدم محتويات جذابة

أعجبني جدا محتوى مدونتك فهي ليست بمدونة عادية هي مليئة بالمحتوى الجميل الممتع الذي يحتم على زائره العودة إليها مرات عديدة .. 

شكرا لك على هذه الصفحات  ،،،

--------------------------

اعجبتني مدونة الدكتور ياسر عبيدون . حيث قرأت العديد من صفحاتها واستمتعت كثيرا واستفدت من محتواها القيم . وعندما كنت اقرأ كنت اتذكر أيام عملي بالجنوب واتذكر أجمل اللحظات التي مررت بها مع صحبة ورفقاء عمل كنا مثل أسرة واحده تجمعنا المحبه والاخاء . شكرا جزيلا دكتور

--------------------------

*مدونة خفيفة كالنكته الذكية..تريح اعصابك وتدهشك بجمال مضمونها..دسمة كصفحات كتاب حياة الانسان يحمل العديد من المعاني..سلسة ويسيرة من يسر كاتبها..واضحة الهدف كوضوح الشمس..*

 *سلمت اناملك..انار الله دربك وجعلك ممن ينفع بهم البلاد والعباد*

--------------------------

عمل جدااااا مميز و خفيف ظل ،،، بوركت ابو عمرو

--------------------------

سرد جميل وأسلوب راقي وبسيط من القلب إلى القلب لأنه قريب من الناس 🌹🌹🌹🌹🌹🌹

--------------------------

نتمنى ان لا تكون اخر كتاباتك دكتور.... مدونه اكثر من رائعه لما تحمله من جمال السرد وصدق المواقف والكم الهائل من النصائح والدروس ... كل التوفيق لك دكتورنا واستاذنا 💐💐💐💐

--------------------------

مدونتك عبارة عن درر في عقد كل درة لها لمعتها وبريقها الخاص ألفاظ سهله وافكار واضحه ومعاني سامية استمتعنا بها جدا واستفدنا الكثير منها و بنفتقد للذتها في الطرح والسرد المشوق .. تمنيت انه ما ينسدل ستارها ابد.

--------------------------

مدوناتك.. إلهام غني وعميق في محتواها.. جليله وعظيمه في مغزاها.. سلسه وبسيطه في سردها.. فاعله ومؤثر في ارواحنا.. لأنها نابعه من مشاعر شخصك الجميل المحب للخير والعاشق للعطاء.. خالص تحياتي وتقديري لك أيها المبدع المتواضع النقي.

--------------------------

من الصعب اعطاء مدونتك (رسالتي) حقها بالوصف ! لقد حملت لنا العديد من الرسائل بين طياتها ، رسائل في بعض الاحيان قاسيه وتستوجب ان تكون قاسيه حتى يحدث التغيير الافضل الذي لا طالما كنت تسعى له وتطمح بأن يحققه الجميع في هذا المجتمع . وهناك رسائل صنعت يومنا بضحكه وذكريات جميلة شاركتها معنا وكان لنا نصيب من المشاعر التي كانت بين طياتها ..دائما كل ماهو صادق يصل بسلاسه ودون عناء وهكذا انت كنت ومازلت المؤثر الذي يترك بصمته في كل مايقول ويفعل ونتمنى بأن يستمر عطاءك ونبقى نلهج من خبراتك وفكرك الراقي ..((شكرا لك ))دكتور ياسر .

----------------------------

كيف لا تكون المدونة جميلة ومثرية ومن كتبها الدكتور ياسر عبيدون؟! مدونة رائعة جدا...تعلم الانسان كيف يطور من ذاته..في تعامله مع الآخرين..كيف يضع أهدافه...كيف يستفيد من وقته..تعلم الانسان أن لا يقلل من قيمة نفسه..شيء جميل جدا حفظكم الله في حلكم وترحالكم.... وانا متأكد أن هناك خطوة جديدة من العطاء مثل ما عودتنا و علمتنا..👍👍👍👍 للأمام دائما🌹

--------------------------

للنجاح أناس يقدرون معناه.. وللإبداع أناس يحصدونه.. لذا نقدر جهودك المضنية.. فأنت أهل للشكر والتقدير.. فوجب علينا تقديرك.. فلك منا كل الثناء والتقدير دكتورنا العزيز.

--------------------------

كثيرا ما أمر على مدونتك أقرأ منها و استفيد من تجاربك أجمل ما فيها أنها دائما تعبر عن مواقف في الحياة تعرضها وتستخلص منها الفائدة للقارئ بأسلوب جميل. دمت سالما

--------------------------

المدونة بصفة عامة اقل ما يقال عنها أنها رائعة بكل المقاييس ٠ تتميز باسلوب سهل ممتع يصلح لمخاطبة قاعدة عريضه من فئات المجتمع المختلفة وتعمل عمل السحر في تصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة وغرس قيم الفضيلة في النفوس من خلال دعوة الفرد للتصالح مع نفسه والمجتمع الذي يعيش فيه٠ وهي تستحق أن تستمر فيها مع التطرق الجوانب التي لم يتم التعرض لها خاصة الجوانب الهامة المسكوت عنها في مجتمعاتنا ٠ لك التحية والتجلة أخي الحبيب وزوجتك الرائعة التي تقف من خلفك٠ وحقاَ وراء كل رجل عظيم إمرأة ٠

--------------------------

لم أجد الكلمات التي تصف هذة المدونة الرائعة وما تحويه من قصص جميلة وهادفة. كتبت بطريقة بسيطة ومشوقة. تحوي في ثنايها حكم وعبر لخصها الكاتب لنا من واقع خبرته وقرائاته فوفر علينا قراءة تلك الكتب والخوض في نفس التجارب.. بوركت جهودكم ونفع الله بعلمكم ووفقكم الله.

--------------------------

مدونتك دكتور ياسر بها أسرار حكمتك التي اكتسبتها من سنوات عمرك يسعدني قرأتها ؛ فأنت بمشاركتك لنا تجاربك وسماحك لنا بقراءتها تهدينا حكم مرصعة بالذهب ، انتقيتها لنا بدقة ، وجعلتنا نختصر تجارب كثيرة في الحياة ؛ حتى لانقع بها ، لخَّصتها لنا بمدونتك( رسالتي ) علمتني من خلالها أنه يجب لكل إنسان يحدد أهدافه بالحياة وبعد تحقيقها عليه أن ينشر رسالته فالله خلقنا لإعمار الأرض وعطائنا لايتوقف بتحقيق الهدف شكرًا لك على عظيم فضلك وكرمك

--------------------------

الأربعاء، 17 مارس 2021

شئٌ من ذاكرته ..

سور البيت والطفولة ..

مرت عليه مرحلة الطفولة بسرعة وبدون أحداث كبيرة سوى موت جدته – أم أبوه. ويتذكر النساء اللواتي لبسن العباءة البيضاء والتي كانت رمز الحزن في تلك الفترة. لا يتذكر من اللعب في طفولته سوى سور بيتهم المطل مباشرة على شاطئ البحر. كان يتسلق السور ويقفز في الرمال ويكرر، وفي كل مرة كان يبتسم ويكلّم نفسه بأحلام المستقبل، حتى يشعر بالتعب ويتوقف وبهذا يكون أنهى لعبه.

 

صالة التزلج

كانت صالة بيتهم مفتوحة على الجهة البحرية، وكانت بطول تقريباً 15 متر وعرض 3 أمتار. كانت تُكسَى سنوياً بطربال، يختلف لونه ونقشته من سنةٍ لأخرى. المهم تلك الصالة تتحول في الشهرين الذين يسبقان فصل الخريف إلى صالة تزلّج، بسبب الرطوبة الشديدة في تلك الفترة. فالتزلج هي رياضة الأطفال، فيمارسوها برغبتهم، بينما الكبار فغالباً تكون رياضة إجبارية أو بالأصح تزحلق بدلاً من تزلج!.

 

 

أول عمل يدوي

كبرَ الطفل وأصبحَ صبّي يتعلم في المدرسة، وأثناء تشّييد بناء بيتهم بالطراز الحديث، إهتمَ وحبَّ الصبي التعليم لدرجة أن أول عمل يدوي قام به هو سبورة، صنعها من بقايا الأخشاب والمسامير أثناء التشييد. ما زال يتذكر تلك السبورة التي علّم نفسه وعلّم أطفال الجيران كل ما استعصى عليهم من دروس في اللغة العربية والعلوم والرياضيات. هل كان ميوله ورغبته أن يكون معلماً؟ لا أحد يعرف، حتى هو نفسه!.

 

شاي أمه وخبزها

قد ينسى الصبي أمور كثيرة وأحداث كبيرة في صباه، لكن شاي أمه، فلا. لم يكون مجرد شاي، بل كان غذاء متكامل بالنسبة له. كان الوقود الذي سوف يستهلكه في المدرسة. كانت تبرّده له حتى لا يلسع لسانه. كانت تستخدم كوبين وتصب الشاي من كوب لآخر وتقول له: تعال إشرب الشاي الحين صار دافئ. كانت أمه نشيطة وسعيدة بما تقوم به. كانت عيناها توحي بالفخر بهذا الصبي الذي تخدمه في كل الأوقات. وكان الصبي يعرف أن أمه مريضة فقط عندما تربط على رأسها!.

أمه تعشقه، لدرجة أن بقية إخوته يلاحظوا ذلك. وتبحث عن كل ما يسعده وتعامله على أنه طفلها المدلل رغم تعديه الخمسين ربيعاً!!. يحب خبزها وعرفت ذلك. صارت كل أسبوع تعجن وتخبز له خبزتين. في أحد الأيام، لم يزرها في ذلك اليوم الأسبوعي، أرسلت أباه وقالت له: خذ هاتين الخبزتين وأعطيه له، مسكين ما عنده خبز هذا الأسبوع!! وطرق الأب باب بيت الابن وقال: هذه من عند أمك!! وكما قال محمود درويش في خبز أمه شعراً، كذلك ذلك الشاب يعشق أمه وخبزها.

 

تدريس الأطفال والشيّاب ..

وعندما كبر وصار عمره تقريباً ستة عشر عاماً، إهتمَ بالمحافظة على الصلاة في مسجد الحارة وأيضاً قراءة بعض الكتب المتواجدة في رفوف المسجد مثل كتاب رياض الصالحين وكتب الترغيب والترهيب وغيرها. وبدأت رغبة تدريس الآخرين في ذلك العمر وأخذ يجمع أطفال الحارة ويجلسهم في حلقة ويبدأوا قراءة القرآن. وكذلك إهتمَ بتعليم الشيّاب قراءة سورتي الفاتحة والإخلاص والمعوذتين والصلاة الإبراهيمية. كان فخوراً جداً بما يقوم به لهؤلاء الأطفال والشيّاب – رحمهم الله جميعاً.  

 

تنظيف المسجد

لم يكتفي بتعليم الآخرين في ذلك المسجد الصغير بل حرص على تنظيفه صباح كل يوم جمعة. اِختارَ ذلك التوقيت لأنه كانت إجازة نهاية الأسبوع يوم واحد وهو يوم الجمعة وبحيث لا أحد يعرف ما يقوم به ظناً منه احتساب الأجر من الله. يتجه في ذلك الصباح ويستخدم المكنسة الكهربائية المتوفرة في المسجد في التنظيف. أحبَّ الصبي المسجد لدرجة أنه يقضي فيه وقت أطول من غيره ممن هم في عمره من الصبية.

حياة الجامعة

طلعت نتائج الثانوية في الجرائد والراديو. في يوم النتائج تتحول الحارة إلى عُرس. الجميع يفرح للناجحين ويقدموا لهم التهاني والتبريكات بقلوب صافية. يستعد الطلبة المقبولين للسفر والإلتحاق بالجامعة. تعرّفَ الشاب – صار عمره تسعة عشر- على أصدقاء جدد من منطقته ومن كافة أنحاء بلاده. يقول الشاب إنها كانت فترة ذهبية من حيث الصداقة بشباب يعتبروا نخبة البلاد. ويفتخر بأنه ما زالت تلك الصداقات حية إلى يومنا هذا.  

 

الوظيفة التي لم يتقدم لها

انتهت دراسته الجامعية بنجاح ويسر. بعد أن أخذ إفادة تخرجه وتنفّسَ الصعداء، أخلدَ إلى راحةٍ وقررَ أن يظّل كذلك لعدة شهور. وأثناء فترة الراحة، رنَّ تلفون بيتهم – تلك كانت الفترة الذهبية لهاتف البيت الأرضي – آلو، أنت فلان؟، أجاب: نعم. هل قدمت أوراقك في أي جهة للتوظيف؟ أجاب: لا. قال له ذلك الرجل الذي لا يمكن أن ينساه وينسى فضائله: هل بالإمكان أن تأتي إلى مكتبي ومعك أوراق التخرج؟! قال له: أكيد، ولم تستغرق إجراءات توظيفه أكثر من شهر. كان ذلك الشاب العماني الوحيد من بين الموظفين في فئة عمله. يقول الشاب عن ذلك المسؤول أنه بعيد النظر ولديه من الحكمةِ ما تؤهله ليكون مسؤولاً قيادياً من المستوى الرفيع. قال المسؤول للشاب: أتمنى أشوف الدشداشة العمانية في كل الوظائف. ولم يتقاعد ذلك المسؤول حتى تحققت أمنيته!.   

الزواج والسيارة

أقبل الشاب على الزواج. مجرد أن فكّرَ في الزواج، بدأت أموره تتسهل. فكر أن يشتري سيارة جديدة من الوكالة. ذهب إلى أحدى وكالات السيارات في منطقته وعاينَ السيارات وقرر أنه سوف يشتري سيارة من عندهم لكن في شهر رمضان لأن لديهم سحوبات يومية على سيارات – أي كل يوم سحب على سيارة. وكان باقي تقريباً عشرة أيام على شهر رمضان المبارك. قال له أحد موظفي الوكالة: اشتري السيارة اليوم وسوف نعطيك كوبون وكأنك اشتريتها في رمضان!! كان هدفه أن يكسبه ويغريه للشراء. وفعلاً، اشترى السيارة وثامن يوم في رمضان، تلقى عدة اتصالات من الوكالة. لم يرّدْ عليها وفضّلَ أن يتجه مباشرة إلى الوكالة. وجدهم منتظرين مبتسمين على باب الوكالة الرئيسي وقدَموا له التهنئة بالفوز بسيارة!!.

 

اِسمها بالجبس

كانت زوجته وجه خير عليه وما زالت. في أحد الأيام وهي عند بيت أهلها لعدة أيام، استغلها فرصة بأن طلب من عمال الجبس أن يصنعوا قوالب على شكل حروف اسم زوجته الرباعي مع إضافة إنارة عليها على أن تُلصق تلك الحروف في سقف غرفتهما! وفعلاً، أنجزت تلك الفكرة بنجاح وعند وصول زوجته إلى البيت ورأت ما قام به من أجلها، فرحت فرحاً شديداً وأعتبرتها عربون محبة أبدية. وكما قال له أحد أصدقاءه: يعني مؤبد؟!. قال له: نعم، مؤبد!!.

الشايب والدعاء

عندما يشاهد أي رجل مسّن على جانب الشارع، دائماً يقف ويقوم بتوصيله. في أحد الأيام، لاحظَ من بعيد شايب طاعن في السن فوقف له. بدأ الشايب بالصعود إلى السيارة ومن أول لحظة والشايب يدعو له: الله يطّول في عمرك ياولدي. الله يطّول في عمرك ياولدي. وفجأة، قاطعه الشاب وقال له: لو سمحت يا عمي، ممكن تقول الله يبارك في عمرك؟ بدل من طولة العمر؟ لان طولة العمر من غير بركة لا أريدها!!.

 

حكمة أبيه

يمتاز أباه بالإبتسامة الدائمة والصمت الحكيم وإذا نطق في مجال عمله، كأنه بروفيسور وفي مجال الدين، كأنه خطيب. في أحد الايام وهو يجّهز أدواته لدخول مسابقة في مجال عمله، جمعَ ابناءه وقال لهم: أنا سوف أحصل على المركز الأول بإذن الله. قالوا له: كيف؟! قال: لأن لدي طريقة جديدة ليست موجودة عند المتسابقين الآخرين وأيضاً أنا مستعد. وبعدها قال الذي يريد أن يوصله لابنائه: لكي تنجح، ذاكر. وسكت!. وحصل على المركز الأول!.

 

كرم أمه

عادةً، يُضرب المثل في الكرم بحاتم الطائي ويقال "أكرم من حاتم!" وأنا أضيف مثل آخر وهو "أكرم من أمه!". يمكن لأنها قنوعة وبسيطة وتحب الخير للآخرين. ضيفها لا يخرج صفر اليدين، إما بخور أو عطر أو مبلغ من المال وتقول له: هذه للعيال!. وعندها أمر آخر مقدس وهو الجار قبل الدار!. الجميع يحبها، ورغم أنها أصغر أخواتها وأخوانها إلا أن والداها عاشا معاها حتى آخر أيامهما.

في أحد الأيام، عندما دخل عليها ابنها الكبير، كانت أمه جالسه بالقرب من النافذة. وبدأت السوالف بينهما وهي توزّع نظراتها بين ابنها وبين النافذة. سألها الابن: لماذا تنظرين في النافذة؟ قالت: انتظر عامل النظافة وخايفة يمر من غير ما أعطيه نص ريال! وأحياناً تضع للعامل كوب شاي وخبز خارج باب المطبخ. تخيلوا معي بعد هذه المعاملة كيف سوف تكون النظافة أمام بيتهم!!.

 

اِختارَ التقاعد

تقاعدَ بعد 26 سنة قضاها بين تلميذ على يد أحد الخبراء ومدير على موظفين تعامل معهم على أنهم إخوانه الصغار. حاول أن يطورهم ويسعدهم ويشعرهم بأهميتهم من خلال توفير النصح في مجالات العمل والحياة الإجتماعية وتطوير ذواتهم. حاول، ولا يعرف مدى نجاحه في ذلك. حاول أيضاً تطوير ذاته بأن اِهتم بالتعلم الذاتي في مجالات التقنية وادخالها في تحسين الأداء العملي. بعد تلك المدة، اِختارَ أن يتقاعد، خاصةً بعدما شعرَ أن دوره انتهى وأن المسؤولين الجدد لديهم القدرة على إدارة العمل باقتدار. عندما عبّرَ بعض الموظفين عن مشاعرهم بعدما سمعوا عن تقاعده، شعرَ أنه ترك في نفوسهم أثر وحمد الله على ذلك.    

 

وبعد موته

كبر ذلك الطفل والصبي والشاب والرجل وحاول أن لا يكون زائداً على الدنيا. مات بعد مراحل مختلفة من الحياة حاول أن يعطي قدر المستطاع لأهله وأصدقائه وكل الناس. مات ولا يعرف هل أعطى ما فيه الكفاية أم أنه قصّرَ في حق أمه وأبيه وأخوانه وزوجته وأولاده والناس أجمعين. لكن المعروف عنه أنه كان يدعو للناس كافة، من أبينا آدم إلى يوم القيامة، بالخير. مات وإنا لله وإنا له راجعون وقالوا عنه أنه كان رجل طيب.

 


الاثنين، 15 مارس 2021

رحلتي إلى أسبانيا ..


كانت الرحلة بشهر فبراير من عام 2008م في مهمة عمل لمدينة فالنسيا الأسبانية. تعتبر هذه الرحلة من أجمل رحلاتي والسبب هو الصحبة الطيبة. شاركني الرحلة كل من المهندس بدر بن سيف البارحي والدكتور محمود بن صالح الأنصاري. نعتبرها رحلة عجيبة لأننا حافظين كل تفاصيلها من أول لقائنا في المطار وحتى العودة وممكن كل واحد منّا يسردها على حِده بنفس التفاصيل. وسبب آخر لجمالها هو التناقض الواضح والمثير والمدهش بين بدر ومحمود!!

بدر من النوع الحريص وممكن يتواجد في المطار بخمس ساعات قبل الرحلة بينما محمود ممكن يوصل والطائرة قد أقلعت!!. وهذا الذي صار. نعم، راحت علينا الطائرة!!. قبل أن أخبركم كيف راحت علينا الطائرة، أود أن أقول لكم أنا وبدر نتقابل لأول مرة ولم نكن نعرف أشكال بعض من قبل. طبعاً كان اللقاء مثل الأفلام الهندية وعليكم أن تتخيلوا الموقف!!.

نتصل بمحمود ونحن في المطار ونسأله: أين أنت يا محمود؟ يجيب: أنا في الطريق حالاً تحركت من البيت. كلام جميل لكن أين بيتهم. البيت طلع في ولاية المصنعة!! ومافي داعي أذكر تفاصيل القلق الذي انتابنا أنا وبدر ونحن نرى بأعيننا إغلاق كاونتر الطيران الألماني. وصل الحبيب محمود وحاولنا فيهم على أساس أن الطائرة ما زالت متواجدة في المطار ولكن بدون جدوى. من ضمن الحوارات الجميلة والمضحكة التي حدثت في المطار أن بدر قال لمحمود: المشكلة الآن كيف نرجع للأهل ونحن قد ودّعناهم بالبكاء والعويل!!. المهم، فكرنا في حل آخر وهو أن نحجز في طيران آخر إلى مدينة دبي وبعدها نلحق بالطائرة الألمانية هناك. وقمنا بذلك ونجحنا. وصلنا إلى مطار فرانكفورت ترانزيت – كان الجو ثلج والناس في المطار كما يُقال عنهم عبوسين – لكني في رحلة أخرى إلى مدينة برلين الألمانية وجدت الناس هناك في قمة البشاشة والإبتسام وليس كما يُقال عن الألمان. وبعدها وصلنا إلى مطار فالنسيا واستقبلنا هناك دكتور مريانو.

لكي لا أطيل عليكم ونحن ما زلنا في تفصيلة المطار. وهناك تفاصيل مع دكتور مريانو والجريدة، والشيخ الكريم في المطعم وكذلك المطعم اللبناني وأكله اللذيذ. وعند وصولنا للفندق الفخم الأول حكاية وعند اِنتقالنا إلى الفندق الصغير الثاني حكاية أخرى. والعودة والشرطة الدولية لنا تفاصيل. المهم رجعت بكنوز من الصداقة الحقّة الخالية من الشوائب. يقولون عندما تثني على شخص: هل سافرت معه؟ إن قلت لا، فأنت لا تعرفه. سافرت مع بدر ومحمود وعرفتهما بقمة الأدب والأخلاق والرقي. وإن كنت تود أن تتعلم أخلاقيات الاحترام، سافر مع بدر أو محمود أو الأفضل أن تسافر معهما الاثنين!!. لكما مني كل المحبة الدائمة والاحترام الوافر والتقدير الجّم.

الثلاثاء، 9 فبراير 2021

خالد وأخباره ..

من يود أن يتعرف على خالد، فليقرأ تدوينة "ماهي أمنيتك يا ابني؟" وتدوينة " هل القراءة هواية؟"

(1)    

قابلت أم محمد وخالد جارتها أم عبدالله - عبدالله في نفس الصف الدراسي مع خالد. وبدأ الحديث عن الدراسة والمدرسة. سألت أم عبدالله: كيف خالد مع الدراسة؟ سمعت عبدالله يقول أن الأستاذ طلب منهم كتابة بحث. ردت أم خالد: نعم، وما شاء الله خالد بدأ يبحث ويكتب البحث. تفاجأت أم عبدالله من رد أم خالد سائلةً: خالد بيكتب بنفسه البحث؟!!. قالت أم خالد: نعم، وبالمحاولة والخطأ سوف يتعلم وخاصة مثل ما تعرفِ، أنه عندما يدخل الجامعة بإذن الله سوف يطلبوا منه كتابة بحوث ومشاريع كثيرة. وبعدها شعرت أم عبدالله بالحزن من تصرف أبو عبدالله وهو يشتري البحث جاهز من المكتبة. لا عبدالله يعرف شيئاً عن البحث سوى العنوان ولا تعلم كيف يكتب بحث والأدهى والأمرّ من ذلك أن عبدالله تعلم الغش والكذب والخداع لأنه يعلم أن المعلم الذي قَبِل أن يستلم البحث منه، يعلم أنه اشتراه من المكتبة!!!. ويا ترى، من المخطئ؟ هل عبدالله أم أبوه أم المعلم؟

 

 

(2)    

لاحظت أم خالد سيارة صغيرة وقفت أمام بيت جارتها أم عبدالله. وإذا بمدرس الرياضيات يخرج من السيارة متجهاً إلى داخل بيت عبدالله. سألت أم خالد باستنكار: هل عبدالله يأخذ دروس خصوصية؟! قالت أم عبدالله: نعم، يأخذ رياضيات وإنجليزي وعلوم وكنا نريده يأخذ لغة عربية لأنه ضعيف فيها لكن لم نستطع مالياً!. ولكي ترد لها السؤال بسؤال استنكاري، قالت لها: وكيف خالد مع الدروس الخصوصية؟!!. ردت أم خالد بهدوء: خالد لا يأخذ دروس خصوصية، فقط يعتمد على نفسه. نعم، في البداية واجهنا صعوبة ولكن بعدها تأقلم وصار يذاكر أول بأول والحمد لله مثل ما تعرفين عن تفوق خالد في الدراسة. وما أعتقد أن جميع الطلاب يأخذون دروس خصوصية. أعرف واحد دكتور عنده أربعة ابناء، الكبير الحين في الجامعة والبقية ما شاء الله عليهم متفوقين. سألت أم عبدالله: والله؟، من هو؟ قالت أم خالد: تعالي أخبرك في أذنك. تفاجأت أم عبدالله وقالت: ما شاء الله عليهم!!.

(3)    

جاء عبدالله بعد صلاة العصر للعب مع خالد كرة قدم داخل حوش بيته. نادت أم خالد بصوت مسموع: خالد، هل قرأت قرآن اليوم. رد خالد: نعم يا أمي، قبل ساعة. لعِبَا وظل عبدالله مشغول البال بخالد وقراءة القرآن حتى قبيل المغرب. وبعد الانتهاء من اللعب، رجع عبدالله إلى بيته وقال لأمه: تصدقين أن خالد يقرأ قرآن كل يوم!. ردت: ما شاء الله عليه،، سوف أتصل بأمه لمعرفة التفاصيل. ومن خلال الاتصال، عرفت أن خالد وأخوانه يقرأون كل يوم ربع حزب من أول يوم في عيد الفطر حيث لديهم خطة بذلك ويستمروا حتى شهر رمضان القادم. بهذه الطريقة، يختموا القرآن في ثمانية أشهر. واتّباع مبدأ، قليلٌ مستمر خيرٌ من كثيرٍ منقطع. أُعجِبت أم عبدالله بالفكرة وأخذت نسخة من جدول الخطة من أم خالد وبدأ عبدالله بقراءة القرآن يومياً.

(4)    

استغرب خالد من تصرفٍ يقوم به أبيه،كلما أَقبَلتْ أخته على أبيه -  والتي عمرها الآن 16 عاماً، يُقّبِل جبينها. وفي أحد الأيام، سأل خالد أمه عن ذلك وقالت له: أما سمعت من قبل أن النبي (ص) كان يُقّبِل ابنته فاطمة بين عينيها كلما جاءت إليه؟. لهذا السبب يفعل أباك، اقتداءً بسنة نبيه. رد خالد: الآن عرفت لماذا ترجع أختي فرحانه عندما تقابل أبي!. للآسف الكثير يغفل هذا التعامل الراقي مع بناته والذي يغرس في نفوسهن العزة والثقة بالنفس وتقدير الذات. خاصةً أن تلك القُبلة يعتبرها الأب رسول محبة وفخر لابنته. ختم خالد الحوار قائلاً: عندما أكبر، سوف أُقّبِل جبين بناتي كل يوم. كانت أم سعيد – إحدى الجارات – حاضرة هذا الحوار الجميل بين خالد وأمه. وبدون تردد، خرجت من عندهم مسرعةً ومتلهفةً لتخبر أبو سعيد وبناتها بذلك. وبعد أول قُبلة بين عيني بنته الكبرى، انهمرت الدموع من عيونهم!.

(5)    

اعتادت أم محمد أن تصل مبكراً قبل أخواتها في التجمع العائلي الأسبوعي. تُقّبِل رأس أمها وتضع عباءتها جانباً وتبدأ الحديث مع أمها. وعادةً أمها تسأل عن خالد قبل أي أحد من أخوانه وأخواته. خالد بالنسبة لجدته مصدر السعادة والحب. تحضنه وتقّبله بعد أن يقّبل رأسها ويقول لها: كيف حالك يا جدتي؟!. فقط كان خالد يسألها عن حالها وهي بدورها تبدأ بالجواب وكأنها تخاطب شخص كبير: الحمد لله، هذا نحن في حبوب الضغط والسكري. قبل يومين أكلت رز كثير وأرتفع السكري لكن الحمد لله، اليوم قست وقالوا نزل إلى المعدل الطبيعي. ذلك السؤال السحري الذي أَسَر قلب الجدة بخالد. عندما سألت أمه عن سر  شغف الجدة بخالد: قالت لها الجدة وهي مسرورة: فديت خالد، يسألني عن حالي. فقط سؤال بسيط الكلمات لكن عميق المعنى وغزير المشاعر. كيف حالك يا جدتي؟ أو بالأحرى، كيف حالش يا حبوبه؟!.

 


الأحد، 31 يناير 2021

البروفيسور السوداني .. جمال الدين عبدالحي

تشرفت بزيارة الأستاذ الدكتور جمال – سوداني أصيل - بإستراحتي المتواضعة مساء الأمس. استمتعت كثيراً بالأمسية والتي كانت مليئة بالذكريات الجميلة معه وخاصة أنه بصدد مغادرة السلطنة بسبب اِنتهاء فترة عمله بالسلطنة. شاركنا اللقاء ابنه الشبل المهندس مازن وصديقي وأخي الأستاذ ربيع البوسعيدي. كنت – خلال فترة العمل – استمتع بمرافقته في الزيارات الميدانية والتي كانت بالنسبة لي فرصة ذهبية لكي أنهل من علمه الغزيز في علوم الزراعة المختلفة. لست بصدد الحديث عن سيرته ولست أهلاً لذلك. لكني اختصر كل الكلام في أن أ.د. جمال يمتاز ببساطة العالم وسرعة البديهة في حل معيقات العمل والقدرة على التعامل المحترم والراقي والمتواضع مع العامل قبل المسؤول. أكاديمي أمين من الطراز النادر في وقتنا الحاضر بمقدرته الفائقة في مجال البحث العلمي.

أول ما يخطر ببال أي شخص عن السودانيين هو اِجتماعيتهم، لا أبالغ أنك ممكن ترى جمع من السودانيين في مستشفى بسبب أن أحدهم به جرح بسيط!!. والسودان بلد العلماء في كافة المجالات وبلد الخيرات، والموارد الطبيعية بها حدث ولا حرج. السودان بلد الطيب الصالح، هذا الأديب الكبير الذي أثرى الأدب العربي والعالمي ومن أشهر رواياته، رواية موسم الهجرة إلى الشمال ورواية عرس الزين. يا لهما من روايتين!! واللتان يعدان من أشهر روايات الأدب العربي. ذكرت هاتان الروايتان متعمداً أستاذي العزيز للذكرى، لقد تناولناهما في أحد لقاءتنا!.

لن أتحدث عن المعلم السوداني المبجل الأستاذ صلاح – رحمه الله – لأني ذكرته في تدوينه سابقة بعنوان " أحمد شوقي كان يقصد الأستاذ صلاح". أختم بعلاقتي بأحد السودانيين في أستراليا – الشيخ أحمد الطاهر. كان إمام المصلى في المدينة الجميلة جاتون الحريص على حلقات الذكر وقراءة السيرة النبوية. كان في قمة الاحترام والتواضع والرقي. عندما فكرت بتأسيس مركز لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، كان السند الدائم والمعلم الناصح. تحقق ذلك الهدف في زمن قياسي وقمنا بتعليمهم اللغة العربية وكلنا فرح وسرور ونحن نسمع لغتنا على لسان الغير عربي. هكذا هو السوداني، أينما حل وارتحل، يترك بصمته الخلوقة وأدبه الجم وعلمه الوفير لكي يتدفق للأبد!.

لك مني التحية والتجلة والتقدير أستاذي العزيز. ستظل نبراساً يضيء دائماً في قلوبنا وعقولنا. في أمان الله. 




الخميس، 28 يناير 2021

لفت إنتباهي (14): داود الجلنداني وساقية العادي


كنت أقرأ رواية "موعد في بغداد" لأجاثا كريستي الكاتبة المعروفة والمتخصصة في عالم الجرائم، فتذكرت صديقي داود الجلنداني. أول لقائي بداود كان في أستراليا بمدينة بريسبن مقابل بيت الإيمان، هكذا كانوا يطلقون على البيت الذي يقطنونه هو ومجموعة من الشباب العمانيين الطيبين. انطباعي الأولي عن داود كان في محله، مؤدب ومحترم ومثقف. وهذا ما لفت انتباهي نحوه. قابلته عدة مرات في عُمان وكل مرة أقابله فيها، أشعر أن تفكيره أكبر من عمره. – ما شاء الله.

من اللحظة الأولى توقعت داود يدرس ماجستير لِما لمسته من نضاجة عقله ونباهته بينما إتضح أنه يدرس بكالريوس في علم الجريمة. وتوقعت أيضاً إن كل الجهات سوف تتهافت على توظيفه - لما يمتلك من شخصية متفردة – وهذا الذي حصل بالفعل. ولم استغرب عندما عرفت أن داود أديب يجيد كتابة القصص والخواطر. وأصدر لاحقاً مجموعة قصصية بعنوان "ساقية العادي". وإذا توقعت أي شي جميل في داود، سوف تجده فيه بسهولة ولا أبالغ!!.

بدأتُ أقرأ مجموعته القصصية وكلي شوق لمعرفة الجانب الخفي من شخصيته - داود الكاتب -  الذي لم أكن أعرفه هناك .. العنوان مبهر وكلما اِنتهيت من قصة تشوقت للتي تليها .. أعجبْتي يا داود في التفاصيل الصغيرة عندما ملأت حبل الغسيل بالأمنيات .. ويا لها  من وصية  في ساقية العادي !!.. بل ساقية العادي كلها يا لها !!!.

أن تكون مريضاً.. أثبّتَ فيها أنك كاتب مبدع.

رسيل دورة روي .. ربما تكون القصة الوحيدة التي بها شخصيات عدة .. أعجبتني الفكرة وأوصلتها حتى باب عقلي بسهولة ويسر.

الدَّين .. حال مؤسف نعيشه في أيامنا هذه .. ومَرَّ سريعاً  شريط دور العامل الأجنبي في الخريف .. صرنا مدانون حتى سياحياً.

شهد الحياة .. تظل وفياً طالما حافظت على أحزان نبضات قلبك خلال ما يدور حولك من أحداث، أحياناً ترغمه على زيادة دقاته. 

إجازة مرضية .. أخذ إجازة مرضية لأنه لا يعيش الآن بل المستقبل المبهم.

البرواز .. أبدعت في توصيل ما بذاكرته وما بذاكرتها .. نعم، مختلفان !.

خطر ببالي سؤال، هل سوف يكتب داود يوماً ما في مجال الجرائم؟!. ختاماً يا داود، معرفتي بك أثقلَ رصيدي الإنساني والأدبي والأخلاقي. تقبل احترامي.

الثلاثاء، 12 يناير 2021

حفل تخرج الدكتوراه والمنصة

قلعت الطائرة من صلاله إلى أستراليا - هذه التفاصيل ليست مهمة. هذه المرة ليست للدراسة بل لحضور حفل التخرج من جامعة كوينزلاند العريقة. رجعت إلى المدينة الصغيرة الجميلة، جاتون. اِخترت السكن في موتيل في وسط المدينة، بالأصح، لم اَختر، لأنه الوحيد في المدينة!. قابلت هناك الخلوق جداً والكريم جداً والراقي جداً الدكتور عبدالله الحوسني، أبو حمزة – تفاصيل كرم أبو حمزة لا تُوصَف لكي لا أظلمه!!.

رفضت كل وسائل المواصلات السريعة وفضّلت المشي البطئ لكي أُرسّخ كل اللحظات الجميلة التي عشتها في ذاكرتي. مررتُ على المدارس وتذكرتُ عندما كنت أقوم بتوصيل الأطفال والحماس يملأ قلوبهم وعقولهم حباً للدراسة. وعندما مررتُ على المحلات التجارية، تذكرت محل ريجينا، تلك المرأة التي كل همها في الحياة خدمة الآخرين. ولم أطيل تذكر تلك اللحظات لأنني بدأتُ أتأثر. جراج علي العراقي، يا الله على علي! إذا سمعت عن الرجل العربي الشهم، هو علي العراقي!.

حاولت أن أضع بصمات أقدامي في كل مكان وكل شارع إلى أن وصلت إلى البحيرة، ومشيت حولها كما كنت أفعل دائماً. تذكرتُ رحلة التجمع العائلي العماني ولحظات الشواء مع الأولاد. وعلى فكرة، في تلك المدينة الصغيرة جداً مكتبة عامة، إذا دخلها الأطفال يتمنوا لو يجلسوا فيها اليوم بأكمله!!. كفاية تفاصيل عن مدينة جاتون.

الساعة التاسعة والنصف صباحاً يبدأ حفل التخرج. قبلها بساعة ونص، يحضر الطلاب لاستلام لبس التخرج ومعرفة رقم مقعد الجلوس وكيفية التحرك لإستلام الشهادة. حضرتُ الساعة الثامنة والنصف، أخبرتهم باسمي، رحّبوا بي بترحاب حار وبعد استلام اللبس، قيل لي أنني لن أجلس في مقاعد الطلاب! بل سوف أجلس في المنصة. نعم المنصة! قالوا لأن رسالتي للدكتوراه حصلت على جائزة العمادة كإحدى أفضل رسائل الدكتوراه في الجامعة. فرحتي لا توصف لحظتها. وطلبوا مني أن أتجه إلى قاعة ال VIP.

لمحني إيرول – المشرف على دراستي. لم استخدم لقب دكتور قبل اسمه لأنه هكذا كنت أناديه وكل الدكاتره هناك هكذا، بدون لقب دكتور!!. اِقترب مني وسألني عن سبب تواجدي في تلك القاعة والتي ليست مخصصة للطلاب. أخبرته وفرح فرحاً شديداً كاد أن يطير رغم كبر سنه – تجاوز الثمانين – ومسك بيدي ويخبر، بكل فخر، كل من يقابله أنني أحد طلابه وحاصل على تلك الجائزة. لدى إيرول بنتان فقط وليس لديه ابن فيقول لي دائماً: يا ياسر أنت ابني.

قبل الحفل بخمس دقائق، إتجهنا إلى قاعة الحفلة في موكب مكون من أربعة طوابير، وعند وصولنا إلى هناك، فُتِح باب كبير، وقف الجميع ملتفتون إلينا تحيةً وإجلالاً واِحترماً مع موسيقى مليئة بالحماس. شعرت بالفخر مرفوع الرأس كوني العربي الوحيد ليس في الموكب المتجه إلى المنصة وحسب، بل في القاعة بأكملها. حَضَرَت الحفل ريجينا حاملة باقة ورد، علماً بأنه أجريت عملية جراحية لابنتها قبل الحفل بيومين. قابلتني وكأنها تقابل ابنها. ما هذا القلب الذي بداخلك يا ريجينا!. لكي مني كل التقدير والاحترام أيتها المرأة المحبة لخدمة الآخرين وإسعادهم.

أثناء جلوسي في المنصة، راجعت شريط حياتي الدراسية. وبدءْ يومي الدراسي الساعة السادسة صباحاً والناس نيام. كنت أشغّل الإنارة في مبنى الكلية وكنت أقابل عاملات التنظيف وصرنا أصدقاء. كنت أقابل في ذلك الوقت ديفيد، أصلع وبنفس التيشيرت الأحمر الذي لا يغيره ظناً مني أنه عامل أو فني في أحد المختبرات لكن إتضح أنه دكتور كبير وباحث له مكانته في الجامعة. وكنت ألقبه بصديق الصباح الباكر، Early Morning Friend. كنت شغوفاً بالتجارب حتى في أحد الأيام نسيت موعد توصيل الأطفال إلى المدرسة!! لكني اعتذرت منهم على هذا التصرف (ذكرت هذا الموقف في تدوينة سابقة بعنوان المفتاح الثاني عشر، الاعتذار).

بعد الحفل، يأبى العماني إلا أن يكون حاضراً. إتجهت إلى المدينة الرئيسية، بريزبن إلى أخي وصديقي الطيب العزيز أبو عبدالعزيز، الدكتور حسن المهري. قضيت يومين من أجمل أيامي في أستراليا مع صحبة وأخوة وأحبة على مستوى راقي جداً ووعي بالمعاني الجميلة للمحبة والاحترام. أحد أسباب ذلك التقدير منهم يمكن لأني أكبرهم سناً – في تلك الفترة كان معي بعض الطلاب وكنا نُعرف بالشيّاب إلا أن بعضهم – الله يهديهم – يعتبروا أنفسهم شباب وما في داعي لذكر أسماء!.

ليس غريباً على العماني، فمهما شرّق أو غرّب يظل العماني إنسان سامي بأخلاقه الرفيعة. شكراً لكم على هذه الحفاوة وحسن الاستضافة. شكراً لزوجتي وابنائي الرائعين على تحملهم تقصيري نحوهم. شكراً لأمي وأبي على دعواتكما التي أحضى بها من رعاية وعناية وتوفيق من الله عز وجل. شكراً لأصدقائي على مساندتهم لي بالتواصل المستمر وأخصّ - ولا بد أن أذكره - صديقي وأخي أبو حسن. وأكتفي بهذه التفاصيل لرحلة دراسة الدكتوراه والتي بدايتها بالساعة السادسة صباحاً ونهايتها بالمنصة.