من أنا

صورتي
صلاله, Oman
إقرأ .. أجمل ماتقرأ.. أكتب.. وأجمل ماتكتب.. أحفظ .. وأجمل ماتحفظ .. حدث به الآخرين.

الثلاثاء، 12 يناير 2021

حفل تخرج الدكتوراه والمنصة

قلعت الطائرة من صلاله إلى أستراليا - هذه التفاصيل ليست مهمة. هذه المرة ليست للدراسة بل لحضور حفل التخرج من جامعة كوينزلاند العريقة. رجعت إلى المدينة الصغيرة الجميلة، جاتون. اِخترت السكن في موتيل في وسط المدينة، بالأصح، لم اَختر، لأنه الوحيد في المدينة!. قابلت هناك الخلوق جداً والكريم جداً والراقي جداً الدكتور عبدالله الحوسني، أبو حمزة – تفاصيل كرم أبو حمزة لا تُوصَف لكي لا أظلمه!!.

رفضت كل وسائل المواصلات السريعة وفضّلت المشي البطئ لكي أُرسّخ كل اللحظات الجميلة التي عشتها في ذاكرتي. مررتُ على المدارس وتذكرتُ عندما كنت أقوم بتوصيل الأطفال والحماس يملأ قلوبهم وعقولهم حباً للدراسة. وعندما مررتُ على المحلات التجارية، تذكرت محل ريجينا، تلك المرأة التي كل همها في الحياة خدمة الآخرين. ولم أطيل تذكر تلك اللحظات لأنني بدأتُ أتأثر. جراج علي العراقي، يا الله على علي! إذا سمعت عن الرجل العربي الشهم، هو علي العراقي!.

حاولت أن أضع بصمات أقدامي في كل مكان وكل شارع إلى أن وصلت إلى البحيرة، ومشيت حولها كما كنت أفعل دائماً. تذكرتُ رحلة التجمع العائلي العماني ولحظات الشواء مع الأولاد. وعلى فكرة، في تلك المدينة الصغيرة جداً مكتبة عامة، إذا دخلها الأطفال يتمنوا لو يجلسوا فيها اليوم بأكمله!!. كفاية تفاصيل عن مدينة جاتون.

الساعة التاسعة والنصف صباحاً يبدأ حفل التخرج. قبلها بساعة ونص، يحضر الطلاب لاستلام لبس التخرج ومعرفة رقم مقعد الجلوس وكيفية التحرك لإستلام الشهادة. حضرتُ الساعة الثامنة والنصف، أخبرتهم باسمي، رحّبوا بي بترحاب حار وبعد استلام اللبس، قيل لي أنني لن أجلس في مقاعد الطلاب! بل سوف أجلس في المنصة. نعم المنصة! قالوا لأن رسالتي للدكتوراه حصلت على جائزة العمادة كإحدى أفضل رسائل الدكتوراه في الجامعة. فرحتي لا توصف لحظتها. وطلبوا مني أن أتجه إلى قاعة ال VIP.

لمحني إيرول – المشرف على دراستي. لم استخدم لقب دكتور قبل اسمه لأنه هكذا كنت أناديه وكل الدكاتره هناك هكذا، بدون لقب دكتور!!. اِقترب مني وسألني عن سبب تواجدي في تلك القاعة والتي ليست مخصصة للطلاب. أخبرته وفرح فرحاً شديداً كاد أن يطير رغم كبر سنه – تجاوز الثمانين – ومسك بيدي ويخبر، بكل فخر، كل من يقابله أنني أحد طلابه وحاصل على تلك الجائزة. لدى إيرول بنتان فقط وليس لديه ابن فيقول لي دائماً: يا ياسر أنت ابني.

قبل الحفل بخمس دقائق، إتجهنا إلى قاعة الحفلة في موكب مكون من أربعة طوابير، وعند وصولنا إلى هناك، فُتِح باب كبير، وقف الجميع ملتفتون إلينا تحيةً وإجلالاً واِحترماً مع موسيقى مليئة بالحماس. شعرت بالفخر مرفوع الرأس كوني العربي الوحيد ليس في الموكب المتجه إلى المنصة وحسب، بل في القاعة بأكملها. حَضَرَت الحفل ريجينا حاملة باقة ورد، علماً بأنه أجريت عملية جراحية لابنتها قبل الحفل بيومين. قابلتني وكأنها تقابل ابنها. ما هذا القلب الذي بداخلك يا ريجينا!. لكي مني كل التقدير والاحترام أيتها المرأة المحبة لخدمة الآخرين وإسعادهم.

أثناء جلوسي في المنصة، راجعت شريط حياتي الدراسية. وبدءْ يومي الدراسي الساعة السادسة صباحاً والناس نيام. كنت أشغّل الإنارة في مبنى الكلية وكنت أقابل عاملات التنظيف وصرنا أصدقاء. كنت أقابل في ذلك الوقت ديفيد، أصلع وبنفس التيشيرت الأحمر الذي لا يغيره ظناً مني أنه عامل أو فني في أحد المختبرات لكن إتضح أنه دكتور كبير وباحث له مكانته في الجامعة. وكنت ألقبه بصديق الصباح الباكر، Early Morning Friend. كنت شغوفاً بالتجارب حتى في أحد الأيام نسيت موعد توصيل الأطفال إلى المدرسة!! لكني اعتذرت منهم على هذا التصرف (ذكرت هذا الموقف في تدوينة سابقة بعنوان المفتاح الثاني عشر، الاعتذار).

بعد الحفل، يأبى العماني إلا أن يكون حاضراً. إتجهت إلى المدينة الرئيسية، بريزبن إلى أخي وصديقي الطيب العزيز أبو عبدالعزيز، الدكتور حسن المهري. قضيت يومين من أجمل أيامي في أستراليا مع صحبة وأخوة وأحبة على مستوى راقي جداً ووعي بالمعاني الجميلة للمحبة والاحترام. أحد أسباب ذلك التقدير منهم يمكن لأني أكبرهم سناً – في تلك الفترة كان معي بعض الطلاب وكنا نُعرف بالشيّاب إلا أن بعضهم – الله يهديهم – يعتبروا أنفسهم شباب وما في داعي لذكر أسماء!.

ليس غريباً على العماني، فمهما شرّق أو غرّب يظل العماني إنسان سامي بأخلاقه الرفيعة. شكراً لكم على هذه الحفاوة وحسن الاستضافة. شكراً لزوجتي وابنائي الرائعين على تحملهم تقصيري نحوهم. شكراً لأمي وأبي على دعواتكما التي أحضى بها من رعاية وعناية وتوفيق من الله عز وجل. شكراً لأصدقائي على مساندتهم لي بالتواصل المستمر وأخصّ - ولا بد أن أذكره - صديقي وأخي أبو حسن. وأكتفي بهذه التفاصيل لرحلة دراسة الدكتوراه والتي بدايتها بالساعة السادسة صباحاً ونهايتها بالمنصة.