من أنا

صورتي
صلاله, Oman
إقرأ .. أجمل ماتقرأ.. أكتب.. وأجمل ماتكتب.. أحفظ .. وأجمل ماتحفظ .. حدث به الآخرين.

الأحد، 31 يناير 2021

البروفيسور السوداني .. جمال الدين عبدالحي

تشرفت بزيارة الأستاذ الدكتور جمال – سوداني أصيل - بإستراحتي المتواضعة مساء الأمس. استمتعت كثيراً بالأمسية والتي كانت مليئة بالذكريات الجميلة معه وخاصة أنه بصدد مغادرة السلطنة بسبب اِنتهاء فترة عمله بالسلطنة. شاركنا اللقاء ابنه الشبل المهندس مازن وصديقي وأخي الأستاذ ربيع البوسعيدي. كنت – خلال فترة العمل – استمتع بمرافقته في الزيارات الميدانية والتي كانت بالنسبة لي فرصة ذهبية لكي أنهل من علمه الغزيز في علوم الزراعة المختلفة. لست بصدد الحديث عن سيرته ولست أهلاً لذلك. لكني اختصر كل الكلام في أن أ.د. جمال يمتاز ببساطة العالم وسرعة البديهة في حل معيقات العمل والقدرة على التعامل المحترم والراقي والمتواضع مع العامل قبل المسؤول. أكاديمي أمين من الطراز النادر في وقتنا الحاضر بمقدرته الفائقة في مجال البحث العلمي.

أول ما يخطر ببال أي شخص عن السودانيين هو اِجتماعيتهم، لا أبالغ أنك ممكن ترى جمع من السودانيين في مستشفى بسبب أن أحدهم به جرح بسيط!!. والسودان بلد العلماء في كافة المجالات وبلد الخيرات، والموارد الطبيعية بها حدث ولا حرج. السودان بلد الطيب الصالح، هذا الأديب الكبير الذي أثرى الأدب العربي والعالمي ومن أشهر رواياته، رواية موسم الهجرة إلى الشمال ورواية عرس الزين. يا لهما من روايتين!! واللتان يعدان من أشهر روايات الأدب العربي. ذكرت هاتان الروايتان متعمداً أستاذي العزيز للذكرى، لقد تناولناهما في أحد لقاءتنا!.

لن أتحدث عن المعلم السوداني المبجل الأستاذ صلاح – رحمه الله – لأني ذكرته في تدوينه سابقة بعنوان " أحمد شوقي كان يقصد الأستاذ صلاح". أختم بعلاقتي بأحد السودانيين في أستراليا – الشيخ أحمد الطاهر. كان إمام المصلى في المدينة الجميلة جاتون الحريص على حلقات الذكر وقراءة السيرة النبوية. كان في قمة الاحترام والتواضع والرقي. عندما فكرت بتأسيس مركز لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، كان السند الدائم والمعلم الناصح. تحقق ذلك الهدف في زمن قياسي وقمنا بتعليمهم اللغة العربية وكلنا فرح وسرور ونحن نسمع لغتنا على لسان الغير عربي. هكذا هو السوداني، أينما حل وارتحل، يترك بصمته الخلوقة وأدبه الجم وعلمه الوفير لكي يتدفق للأبد!.

لك مني التحية والتجلة والتقدير أستاذي العزيز. ستظل نبراساً يضيء دائماً في قلوبنا وعقولنا. في أمان الله. 




الخميس، 28 يناير 2021

لفت إنتباهي (14): داود الجلنداني وساقية العادي


كنت أقرأ رواية "موعد في بغداد" لأجاثا كريستي الكاتبة المعروفة والمتخصصة في عالم الجرائم، فتذكرت صديقي داود الجلنداني. أول لقائي بداود كان في أستراليا بمدينة بريسبن مقابل بيت الإيمان، هكذا كانوا يطلقون على البيت الذي يقطنونه هو ومجموعة من الشباب العمانيين الطيبين. انطباعي الأولي عن داود كان في محله، مؤدب ومحترم ومثقف. وهذا ما لفت انتباهي نحوه. قابلته عدة مرات في عُمان وكل مرة أقابله فيها، أشعر أن تفكيره أكبر من عمره. – ما شاء الله.

من اللحظة الأولى توقعت داود يدرس ماجستير لِما لمسته من نضاجة عقله ونباهته بينما إتضح أنه يدرس بكالريوس في علم الجريمة. وتوقعت أيضاً إن كل الجهات سوف تتهافت على توظيفه - لما يمتلك من شخصية متفردة – وهذا الذي حصل بالفعل. ولم استغرب عندما عرفت أن داود أديب يجيد كتابة القصص والخواطر. وأصدر لاحقاً مجموعة قصصية بعنوان "ساقية العادي". وإذا توقعت أي شي جميل في داود، سوف تجده فيه بسهولة ولا أبالغ!!.

بدأتُ أقرأ مجموعته القصصية وكلي شوق لمعرفة الجانب الخفي من شخصيته - داود الكاتب -  الذي لم أكن أعرفه هناك .. العنوان مبهر وكلما اِنتهيت من قصة تشوقت للتي تليها .. أعجبْتي يا داود في التفاصيل الصغيرة عندما ملأت حبل الغسيل بالأمنيات .. ويا لها  من وصية  في ساقية العادي !!.. بل ساقية العادي كلها يا لها !!!.

أن تكون مريضاً.. أثبّتَ فيها أنك كاتب مبدع.

رسيل دورة روي .. ربما تكون القصة الوحيدة التي بها شخصيات عدة .. أعجبتني الفكرة وأوصلتها حتى باب عقلي بسهولة ويسر.

الدَّين .. حال مؤسف نعيشه في أيامنا هذه .. ومَرَّ سريعاً  شريط دور العامل الأجنبي في الخريف .. صرنا مدانون حتى سياحياً.

شهد الحياة .. تظل وفياً طالما حافظت على أحزان نبضات قلبك خلال ما يدور حولك من أحداث، أحياناً ترغمه على زيادة دقاته. 

إجازة مرضية .. أخذ إجازة مرضية لأنه لا يعيش الآن بل المستقبل المبهم.

البرواز .. أبدعت في توصيل ما بذاكرته وما بذاكرتها .. نعم، مختلفان !.

خطر ببالي سؤال، هل سوف يكتب داود يوماً ما في مجال الجرائم؟!. ختاماً يا داود، معرفتي بك أثقلَ رصيدي الإنساني والأدبي والأخلاقي. تقبل احترامي.

الثلاثاء، 12 يناير 2021

حفل تخرج الدكتوراه والمنصة

قلعت الطائرة من صلاله إلى أستراليا - هذه التفاصيل ليست مهمة. هذه المرة ليست للدراسة بل لحضور حفل التخرج من جامعة كوينزلاند العريقة. رجعت إلى المدينة الصغيرة الجميلة، جاتون. اِخترت السكن في موتيل في وسط المدينة، بالأصح، لم اَختر، لأنه الوحيد في المدينة!. قابلت هناك الخلوق جداً والكريم جداً والراقي جداً الدكتور عبدالله الحوسني، أبو حمزة – تفاصيل كرم أبو حمزة لا تُوصَف لكي لا أظلمه!!.

رفضت كل وسائل المواصلات السريعة وفضّلت المشي البطئ لكي أُرسّخ كل اللحظات الجميلة التي عشتها في ذاكرتي. مررتُ على المدارس وتذكرتُ عندما كنت أقوم بتوصيل الأطفال والحماس يملأ قلوبهم وعقولهم حباً للدراسة. وعندما مررتُ على المحلات التجارية، تذكرت محل ريجينا، تلك المرأة التي كل همها في الحياة خدمة الآخرين. ولم أطيل تذكر تلك اللحظات لأنني بدأتُ أتأثر. جراج علي العراقي، يا الله على علي! إذا سمعت عن الرجل العربي الشهم، هو علي العراقي!.

حاولت أن أضع بصمات أقدامي في كل مكان وكل شارع إلى أن وصلت إلى البحيرة، ومشيت حولها كما كنت أفعل دائماً. تذكرتُ رحلة التجمع العائلي العماني ولحظات الشواء مع الأولاد. وعلى فكرة، في تلك المدينة الصغيرة جداً مكتبة عامة، إذا دخلها الأطفال يتمنوا لو يجلسوا فيها اليوم بأكمله!!. كفاية تفاصيل عن مدينة جاتون.

الساعة التاسعة والنصف صباحاً يبدأ حفل التخرج. قبلها بساعة ونص، يحضر الطلاب لاستلام لبس التخرج ومعرفة رقم مقعد الجلوس وكيفية التحرك لإستلام الشهادة. حضرتُ الساعة الثامنة والنصف، أخبرتهم باسمي، رحّبوا بي بترحاب حار وبعد استلام اللبس، قيل لي أنني لن أجلس في مقاعد الطلاب! بل سوف أجلس في المنصة. نعم المنصة! قالوا لأن رسالتي للدكتوراه حصلت على جائزة العمادة كإحدى أفضل رسائل الدكتوراه في الجامعة. فرحتي لا توصف لحظتها. وطلبوا مني أن أتجه إلى قاعة ال VIP.

لمحني إيرول – المشرف على دراستي. لم استخدم لقب دكتور قبل اسمه لأنه هكذا كنت أناديه وكل الدكاتره هناك هكذا، بدون لقب دكتور!!. اِقترب مني وسألني عن سبب تواجدي في تلك القاعة والتي ليست مخصصة للطلاب. أخبرته وفرح فرحاً شديداً كاد أن يطير رغم كبر سنه – تجاوز الثمانين – ومسك بيدي ويخبر، بكل فخر، كل من يقابله أنني أحد طلابه وحاصل على تلك الجائزة. لدى إيرول بنتان فقط وليس لديه ابن فيقول لي دائماً: يا ياسر أنت ابني.

قبل الحفل بخمس دقائق، إتجهنا إلى قاعة الحفلة في موكب مكون من أربعة طوابير، وعند وصولنا إلى هناك، فُتِح باب كبير، وقف الجميع ملتفتون إلينا تحيةً وإجلالاً واِحترماً مع موسيقى مليئة بالحماس. شعرت بالفخر مرفوع الرأس كوني العربي الوحيد ليس في الموكب المتجه إلى المنصة وحسب، بل في القاعة بأكملها. حَضَرَت الحفل ريجينا حاملة باقة ورد، علماً بأنه أجريت عملية جراحية لابنتها قبل الحفل بيومين. قابلتني وكأنها تقابل ابنها. ما هذا القلب الذي بداخلك يا ريجينا!. لكي مني كل التقدير والاحترام أيتها المرأة المحبة لخدمة الآخرين وإسعادهم.

أثناء جلوسي في المنصة، راجعت شريط حياتي الدراسية. وبدءْ يومي الدراسي الساعة السادسة صباحاً والناس نيام. كنت أشغّل الإنارة في مبنى الكلية وكنت أقابل عاملات التنظيف وصرنا أصدقاء. كنت أقابل في ذلك الوقت ديفيد، أصلع وبنفس التيشيرت الأحمر الذي لا يغيره ظناً مني أنه عامل أو فني في أحد المختبرات لكن إتضح أنه دكتور كبير وباحث له مكانته في الجامعة. وكنت ألقبه بصديق الصباح الباكر، Early Morning Friend. كنت شغوفاً بالتجارب حتى في أحد الأيام نسيت موعد توصيل الأطفال إلى المدرسة!! لكني اعتذرت منهم على هذا التصرف (ذكرت هذا الموقف في تدوينة سابقة بعنوان المفتاح الثاني عشر، الاعتذار).

بعد الحفل، يأبى العماني إلا أن يكون حاضراً. إتجهت إلى المدينة الرئيسية، بريزبن إلى أخي وصديقي الطيب العزيز أبو عبدالعزيز، الدكتور حسن المهري. قضيت يومين من أجمل أيامي في أستراليا مع صحبة وأخوة وأحبة على مستوى راقي جداً ووعي بالمعاني الجميلة للمحبة والاحترام. أحد أسباب ذلك التقدير منهم يمكن لأني أكبرهم سناً – في تلك الفترة كان معي بعض الطلاب وكنا نُعرف بالشيّاب إلا أن بعضهم – الله يهديهم – يعتبروا أنفسهم شباب وما في داعي لذكر أسماء!.

ليس غريباً على العماني، فمهما شرّق أو غرّب يظل العماني إنسان سامي بأخلاقه الرفيعة. شكراً لكم على هذه الحفاوة وحسن الاستضافة. شكراً لزوجتي وابنائي الرائعين على تحملهم تقصيري نحوهم. شكراً لأمي وأبي على دعواتكما التي أحضى بها من رعاية وعناية وتوفيق من الله عز وجل. شكراً لأصدقائي على مساندتهم لي بالتواصل المستمر وأخصّ - ولا بد أن أذكره - صديقي وأخي أبو حسن. وأكتفي بهذه التفاصيل لرحلة دراسة الدكتوراه والتي بدايتها بالساعة السادسة صباحاً ونهايتها بالمنصة.